وفق الكم الهائل المتراكم والمتوافر، المتزايد يوماً عن يوم، من المعطيات والحقائق الموثقة الدامغة الراسخة المتعلقة بمسيرة وقافلة الإرهاب الصهيوني الإسرائيلي التي انطلقت منذ مطلع القرن العشرين بملامحها واعراضها الواضحة الملموسة، فإنه يمكن القول بدءاً أن التاريخ البشري لم يشهد إرهاباً سياسياً/فكرياً/عقائدياً/عنصرياً/دموياً/منهجياً/مرعباً/مروعاً، مع سبق النوايا والتخطيط والبرمجة والإصرار على التنفيذ بأبشع الصور والاشكال، كالإرهاب الذي مارسته الحركة الصهيونية بمنظماتها وأجهزتها الإرهابية السرية ما قبل قيام الكيان الإسرائيلي، وكالإرهاب الرسمي وغير الرسمي والعلني والسري الذي مارسته وما تزال الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة على مدى العقود الخمسة الماضية التي اعقبت قيام الكيان الإسرائيلي.
كذلك وان شهد التاريخ البشري ظواهر إرهابية ترجمت بمذابح جماعية أدت أحياناً إلى اختفاء أو انتهاء شعوب أو دول، فلم يسجل التاريخ حالات مثل هذه الحالات لها منطلقات سياسية/فكرية/عقائدية برامجية موثقة في أدبيات من نفذها ومارسها مثلما هو الحال عليه مع الحركة الصهيونية و«دولة إسرائيل».
كما لم يشهد التاريخ من جهة أخرى أن تعرض شعب لمثل هذا الإرهاب الممنهج والمنفذ على كل المستويات وبشتى وسائل وأدوات الإرهاب وبأبشع الأشكال والصور على مدى زمني متصل تجاوز النصف قرن من الزمن، مثل ما شهده الشعب العربي الفلسطيني على أرض فلسطين.
فالمعادلة القائمة منذ نصف قرن هي كالتالي:
صراع اجلاء وبقاء منذ أكثر من نصف قرن من الزمن، طرفه الأول المنظمات الإرهابية الصهيونية المنظمة جيداً والمسلحة حتى الأسنان وبدعم وغطاء تحالفي مخطط من قبل الاستعمار البريطاني قبل قيام الدولة الصهيونية، ثم هذه الدولة كامتداد لتلك المنظمات، وقد أصبحت عبارة عن ترسانة حربية إرهابية مدمرة مساحتها هي مساحة فلسطين وامتدادها يصل إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وهي تستخدم كل طاقاتها وأجهزتها واسلحتها وتمارس كل أشكال الإرهاب والتدمير والإبادة وكل ذلك تحت سمع وبصر وغطاء الولايات المتحدة والمجتمع الدولي.
والطرف الثاني للصراع هو الشعب العربي الفلسطيني الذي تعرض لسلسلة طويلة متصلة من الهجمات والحملات والحروب الصهيونية الإبادية الرامية إلى محوه عن وجه الأرض، إلا أنه خرج منها كالعنقاء، وخاض مسيرة نضالية بقائية طويلة متصلة مستمرة حتى يومنا هذا، توجتها الانتفاضة الفلسطينية الباسلة المجيدة التي اقتحمت الرأي العام العالمي وهيئة الأمم المتحدة، وكل بيت عربي وإسرائيلي، ونجحت في بلورة برنامج وطني سياسي فلسطيني اعترف به العالم بأسره، واعترف بالتالي عبره وبوجوده وكيانية وحق الشعب العربي الفلسطيني في تقرير المصير. ونؤكد: أن هذا الصراع.. صراع الاجلاء والبقاء، الكيانية والوجود والهوية والسيادة والمستقبل ما يزال قائماً مستمراً يشهد في هذه الأيام أيضاً تصعيداً مسعوراً تقترفه الحكومة الإسرائيلية حتى في ظل عملية السلام الجارية قسراً أو طوعاً كاذباً بفعل اختلال موازين القوى في المنطقة والعالم.
وبعد..
إذا كان الرأي العام العالمي والغربي منه على وجه التحديد قد نسى أو تناسى الحقيقة الراسخة الموثقة: أن دولة إسرائيل قامت على أسنة الحروب والإرهاب الدموي وسياسة التهديم والترحيل والإلغاء الشامل للشعب الفلسطيني وإن كانت ماكينة الإعلام الغربية/المتصهينة عملت في السنوات الأخيرة على «خلق ارهاب يرتدي ثوباً إسلامياً بعد أن كانت معادية لإرهاب يرتدي ثوباً قومياً» (1).
وإن كان «الإعلام الغربي لعب ويلعب دوراً مذهلاً في قلب الحقائق والأمور وتحويل المجرم إلى ضحية والضحية إلى مجرم» (2).
وإن كانت دولة إسرائيل وظفت وتوظف عدداً هائلاً من العاملين في قطاعات الإعلام والسياسة والمؤسسات الأكاديمية في العالم لتسويق فكرتها حول الإرهاب» (3).
فإن الحقيقة الراسخة الدامغة الموثقة المدعمة بالمعطيات والحقائق هي أن منطقتنا العربية لم تعرف الإرهاب إلا بعد إنشاء «دولة إسرائيل» فهم أساتذة الإرهاب» (4) وإن الإرهاب ارتبط بالحركة الصهيونية وما قامت به في فلسطين وإن «قافلة الإرهاب انطلقت من مستنبتات الفكر الديني العنصري اليهودي» (5) وإن سجل الإرهاب الصهيوني حافل وزاخر ومليء بوقائع الممارسات الإرهابية، وإن الفكر العنصري الإرهابي الإسرائيلي يدرس في الأدبيات والمناهج التعليمية ويطبق على مستوى السياسة الرسمية الإسرائيلية (6).
الفكر السياسي للإرهاب الصهيوني
على أرضية تلك الحقيقة الراسخة أعلاه نبحث فنجد أن للفكر السياسي للإرهاب الصهيوني امتدادات بعيدة بعيدة تصل إلى المجتمعات اليهودية الغيتوية القديمة التي انتجت عقلية المؤامرة والحقد العنصري والفكر الإرهابي، وانتجت بعد ذلك تلك الأفكار والمفاهيم المتعقلة بشعب الله المختار الذي يتفوق على الأغيار - أي العرب.
وفي هذا المنطق يؤكد البروفسور «إسرائيل شاحاك» وهو إسرائيلي يناهض الصهيونية «أن الديانة اليهودية عمقت الخصوصية والعنصرية لدى اليهود» (7)، وأن القوانين اليهودية التلمودية تميز بين اليهود وغير اليهود واليمين الديني في إسرائيل يشجع هذه الروح العدوانية في نفوس الجيش الإسرائيلي» (.
وإذا لم يكن المجال يتيح لنا هنا الغور بعيداً في الفكر الديني التلمودي اليهودي العنصري فإننا من الجدير أن نؤكد على الفكر السياسي الإرهابي الصهيوني المعاصر الذي تطور وترسخ منذ المؤتمر الذي انعقد في بال قبل قرن كامل من الزمن حيث زخرت بروتوكولات حكماء صهيون بكم هائل من المفاهيم، والمصطلحات العنصرية الإرهابية بالمضمون وحيث زخر كتاب نبي الصهيونية هرتزل الدولة اليهودية بكم هائل كذلك من المفاهيم والمصطلحات العنصرية الإرهابية (9).
هكذا تطور الفكر السياسي الصهيوني الإرهابي مع الزمن والأحداث وأصبح له أولاً أنبياء ومنظرون ثم أصبحت له ثانياً أذرع وأجهزة ومنظمات إرهابية تنفذه على الأرض، ثم تبنته الدولة اليهودية ثالثاً فتحول هذا الفكر رابعاً إلى الفكر السياسي العريض الذي تعمل به الدولة الإسرائيلية ويتقيد به المجتمع الإسرائيلي (10).
في 11/8/1919 قال بلفور وزير الخارجية البريطاني لأعضاء الحكومة: «إننا في فلسطين لا نفكر أبداً في أي شكل من أشكال التشاور مع السكان المحليين ومعرفة رغباتهم».
وهذا الكلام ينطوي على إرهاب حقيقي، عملت الحركة الصهيونية بعد ذلك بمضمونه تماماً.
جاء قبل ذلك على لسان حكماء صهيون ما مفاده: «ان الإرهاب أداة سياسية نلجأ إليها حين نرى أن عدونا يريد الخلاص منا» (11).
وجاء كذلك في أحد بروتوكولات حكماء صهيون: «على المناضلين الصهاينة بث الرعب والخوف في البلاد المسيحية والعمل على القضاء على الديانة المسيحية والديانات الأخرى التي تحتوي تعاليمها على نصوص معادية لليهودية».
وفي عام 1940 كتب الزعيم الصهيوني أوستشكين من أجل تأسيس حياة مستقبلية لليهود في فلسطين أو على الأصح تأسيس دولة يهودية في فلسطين من المهم بالدرجة الأولى أن تكون جميع أراضي فلسطين يهودية أبداً، وحسب الأساليب المتبعة في العالم هناك ثلاث طرق: أولاً بالقوة بواسطة الاحتلال العسكري، ثانياً: بالقسر أي بمصادرة الأراضي عن طريق الحكومة، ثالثاً: بشراء الأراضي من أصحابها (13).
وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى طالب جابوتنسكي الأب الروحي لليمين الإسرائيلي، بإقامة نظام في فلسطين، يسهل الهجرة اليهودية الواسعة حتى يصبح اليهود أغلبية فيها الأمر الذي يعني إقامة القوة واستخدامها ضد أهل الأرض وقد طبقت آراء وأفكار جابوتنسكي بحذافيرها.
وجاء في مذكرات وايزمن «التجربة والخطأ» في وصف الأوضاع في فلسطين في عام 1914: «يستطيع المرء أن يلمس هنا وهناك تحللاً للأخلاقية الصهيونية التقليدية ويلمس بدلاً منها مسحة من الروح العسكرية بل، أكثر من ذلك اللجوء إلى العنف والإرهاب والاستعداد للتعاون مع الشر كقوة لها فوائدها في تحقيق الوطن القومي لليهود» (14).
ثم جاء دافيد بن غوريون ليلقي المزيد من الضوء على خطوط عمل وسياسة الحركة الصهيونية في العنف والقوة لوسيلة لتحقيق أهدافها، إذ كتب عام 1954 في مقدمة كتاب: «تاريخ الهاغانا» الذي أصدرته المنظمة الصهيونية العالمية: «من الواضح أن انجلترا تعود للإنجليز ومصر للمصريين وفلسطين لليهود، وفي بلادنا هناك فقط مكان لليهود، وسوف نقول للعرب أخرجوا، فإذا لم يخرجوا وإذا قاوموا فسوف نخرجهم بالقوة».
ونأتي إلى مفاهيم مناحيم بيغن من أبرز أقطاب ومنظري الإرهاب الصهيوني على مدى القرن الماضي، الذي أكد عقلية ونهج الإرهاب في كتابه «الثورة» فكتب على سبيل المثال في 28/10/1956 يقول: «ينبغي عليكم أيها الإسرائيليون أن لا تلينوا أبداً عندما تقتلون أعداءكم، ينبغي أن لا تأخذكم بهم رحمة حتى ندمر ما يسمى «بالثقافة العربية» التي سنبني على انقاضها حضارتنا (15).
وقال مناحيم بيغن متفاخراً بالإرهاب والمجازر التي اقترفها تنظيمه «الاتسل»: لقد كنا مقتنعين بالشرعية المطلقة لأعمالنا غير الشرعية (16).
في عام 1973 صرح موشيه ديان وكان آنذاك وزيراً للدفاع قائلاً: لا أرى كيف يمكن أن تقيم دولة يهودية دون أن ندوس على المحاصيل: سيادة كحل سيادة، ويهود يقيمون في مكان أقام فيه العرب فقط لأنه إذا قلنا إنه من أجل توطين يهود في مكان أقام فيه العرب فقط يجب الحصول على إذن من العرب، عندئذ لن تكون دولة يهودية (17).
سيكولوجيا الإرهاب الصهيوني:
ما سبق ذكره غيض من فيض هائل من الأمثلة والمقتبسات على إرهابية الفكر السياسي الصهيوني، وعلى حقيقة المنطلقات الفكرية الدينية والإجماعية العنصرية للإرهاب الصهيوني.
وإن كنا استشهدنا ببعض تصريحات وموقف عدد من أبرز أقطاب العمل الصهيوني فإننا لا يمكنا أن نغفل بطبيعة الحال دور إسحق شامير في الإرهاب الصهيوني، ولا يمكنا أن نغفل كذلك في هذه المرحلة دور حكومة اليمين الإسرائيلي المتشددة في نشر الإرهاب والرعب في المنطقة.
غير أن ما نود التوقف عنده في هذه العجالة هو أن تلك المفاهيم والمنطلقات السياسية/ الفكرية/الاجتماعية/للإرهاب الصهيوني والموثقة في عدد لا حصر له في الكتب والدراسات والبروتوكولات الإسرائيلية وغيرها، والمترجمة في كم لا حصر له من أعمال وممارسات العنف والإرهاب والعنصرية المتغطرسة قد شكلت وبلورت سيكولوجيا كاملة شاملة لدى معظم فئات وشرائح المجتمع الإسرائيلي بعد قيام الدولة الإسرائيلية وبصورة خاصة واضحة المعالم في السنوات الأخيرة حيث أخذت هذه السيكولوجيا ذات النزعة العنيفة الإرهابية العنصرية تطغى على تفكير وممارسات شتى الجهات، المنظمات والحركات الإسرائيلية بشكل عام.
وعلنا نشير هنا بوجه خاص إلى أن سيكولوجيا الإرهاب الدموي هذه باتت هي التي تهيمن هيمنة مطلقة على أجهزة الجيش والموساد والشاباك وكذلك على دولة المستوطنين اليهود في أنحاء الأراضي المحتلة (18).
يقول البروفيسور إسرائيل شاحاك حول سيكولوجية الجيش الإسرائيلي:
«إن قادة العسكر في إسرائيل مستعدون أن يضعوا أيديهم على مصادر الثروات للشعوب الأخرى عن طريق حروب الغزو، إنهم يدركون ذلك مثلما أدركته الأولغاركية العسكرية الإسرائيلية السابقة ونفذت حروباً مماثلة» (19). وامتداد لسيكلوجيا الإرهاب والعنصرية لدى بني إسرائيل أو انطلاقاً منها نتابع فلسطينيون وعرب كل مظاهر الغطرسة والعنصرية نحو الإحساس بالتفوق على الأغيار، ونتابع الاستعداد الإرهابي لدى حكومة إسرائيل الراهنة للتلويح باقتحام واقتراف المجازر والترحيل ضد الفلسطينيين.
وللحاخامات دور مركزي..
وفي هذا الإطار.. إطار الفكر والإيدولوجيا والسيكلوجيا الإرهابية الصهيونية نتوقف أمام الدور المركزي جداً لكبار رجال الدين اليهود - الحاخامات - في تعليم ونشر وزرع الفكر الإرهابي سواء كان ذلك عن طريق المدارس الدينية المتعصبة داخل فلسطين المحتلة 48، أو عن طريق المستوطنات اليهودية المنتشرة في أنحاء الأراضي المحتلة، ففي كل عرس كان للحاخامات القرص الأكبر، وفي مجمل السياسة الإرهابية الإسرائيلية كان وما يزال للحاخامات اليهود دور مركزي فيها..
وإن عدنا للمناهج التعليمية الرسمية الإسرائيلية، أو راجعنا المحاور المختلفة للسياسات الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين والعرب، نجد أن فتاوي الحاخامات تحتل مركزاً كبيراً وتشكل أرضية لكل شيء.
ويلاحظ أن فتاوي الحاخامات تحرض كلها إما على اقتراف الإرهاب الدموي والمجازر ضد الفلسطينيين كما في جملة من المجازر واخطرها مجزرة الحرم الإبراهيمي الشريف (20)، أو إلى ردع الحكومة الإسرائيلية عن تقديم أي تنازل للعرب في أرض كما جاء مثلاً في الوثيقة التي وقعها 250 حاخاماً كبيراً في نهاية العام 1997 والتي حظرت على الحكومة الإسرائيلية تسليم أي جزء من أرض إسرائيل للأغيار (21)، أو في مواصلة انتهاج سياسة التمييز العنصري الرسمي ضد المواطنين العرب في فلسطين، وإن كان الفكر السياسي الإرهابي الصهيوني قد انطلق منذ مطلع القرن الحالي بصورة منهجية فإن الفكر الديني اليهودي والفتاوي والتشريعات اليهودية كان لها دائماً نصيب بارز ومؤثر في ذلك.
«أيديولوجيا التمييز ضد غير اليهود، مسألة لا تنكرها إسرائيل وتعترف بها صراحة، وتعززها كضمانة لشخصية إسرائيل كدولة يهودية ومن هنا يتحرك أنصار التمييز الإسرائيلي على أساس أن هذا التوجه هو تراث اليهودية التاريخي» (22).
ومن الواضح تماماً أن مستنبتات ومفرخات أيدولوجيا التمييز العنصري وبالتالي الإرهاب الدموي والمجازر والعقوبات الجماعية بالضرورة، موجودة وحاضرة بقوة في المدارس الدينية التلمودية اليهودية وفي المستوطنات اليهودية المنتشرة في أنحاء الأراضي المحتلة.
«مكان تحت الشمس»
لا يمكننا في سياق هذه الدراسة المكثفة جداً حول المقدمات السياسية/الفكرية/ السيكولوجية البرامجية للإرهاب الصهيوني إلا أن نتوقف أمام ظاهرة نتنياهو وأمام كتابه الشهير «مكان تحت الشمس» حيث يمثل نتنياهو في اعتقادنا أخطر أقطاب الدولة الإسرائيلية الإرهابية ويمثل فكرة المترجم في كتابة، خلاصة الخلاصة للفكر السياسي والديني الإرهابي الصهيوني.
يقول الدكتور فايز رشيد في كتابه تزوير التاريخ في الرد على نتنياهو «مكان تحت الشمس»: «عند نتنياهو يجوز لكل يهود العالم أن يحلمو بوطنهم القومي في فلسطين ولا يجوز للفلسطينيين أن يعودوا إلى وطنهم الذي هجروا منه قسراً» (32) ويضيف: يركز الإسرائيليون على محو كل الآثار المرتبطة بالتاريخ العربي للشعب الفلسطيني ومحاولة إيجاد البديل اليهودي قسراً (42)، ويردف قائلاً: «الحرب النفسية - المذابح الجماعية - وتهديم نحو 500 قرية فلسطينية أهم الأساليب التي استخدمتها الحركة الصهيونية في تهجير الفلسطينيين (25)، ويكثف د. رشيد خلاصة كتاب نتنياهو قائلاً: «يمارس نتنياهو في كتابه عملية تزييف التاريخ، بل ذبحه وقلب حقائقه ببساطة وتضليل كبيرين» (26).
و«فلسطين الكنعانية العربية يجري اغتيال تاريخها الممتد بعيداً في أعماق الزمن ويلغيها نتنياهو يعتبرها أرض إسرائيل الموعودة» (27).
ومفيد كذلك الإشارة والتأكيد على أن نتنياهو لا يؤمن بوسيلة سوى القوة والعنف والإرهاب الدموي بأبشع أشكاله، من أجل تحقيق افكاره ومعتقداته وأهدافه في أرض إسرائيل الكاملة، أو في «الدولة اليهودية» أو في إسرائيل قوية مهيمنة على المنطقة» (28).
أدوات ووسائل الإرهاب الصهيوني
إن كانت كل المقدمات والمنطلقات السياسية الفكرية/العقائدية/التلمودية/ المنهجية/الصهيونية/الإسرائيلية تؤكد حقيقة التوجهات الإرهابية العنيفة الدموية ذات الطابع العنصري الحاقد فقد كان لا بد للحركة الصهيونية أن توظف كل طاقاتها وامكاناتها المالية الإعلامية/التنظيمية على الصعيد الدولي أولاً، وأن تستخدم كل امكاناتها وقدراتها المالية والتنظيمية اليهودية على أرض فلسطين ذاتها، فكانت التنظيمات الإرهابية الصهيونية قبل قيام دولة إسرائيل، ثم الأجهزة والسياسات الرسمية والمنظمات السرية ما بعد قيامها، ونظراً لغزارة المعلومات الموثقة حول المنظمات الإرهابية الصهونية، فإننا سنكتفي هنا بالإشارة إليها بالعناوين الرئيسية فقط.
ما قبل قيام دولة "إسرائيل" :
ونعود إلى مرحلة ما قبل قيام دولة الاحتلال الإسرائيلي لنجد أن جملة من التنظيمات الصهيونية عملت تحت الأرض وفوق الأرض واستخدمت كافة الوسائل المتاحة في اقتراف أبشع اشكال الإرهاب من أجل تحقيق اهدافها وهي:
الهاغاناة (29): وهي الاسم المختصر للمنظمة العسكرية اليهودية السرية، وقد تأسست في طبريا بتاريخ 12/6/1920 وانضم عدد كبير من الصهاينة إلى صفوفها ومن أبرز قادتها التاريخيين دافيد بن غوريون، ليفي أشكول، موشيه ديان، إسحق رابين وشمعون بيريز وغيرهم.
ونفذت هذه المنظمة سلسلة من الأعمال الإرهابية خلال أحداث 1920 و1929 او 1948 وحظيت المنظمة بدعم قوي من قوات الانتداب البريطاني.
«اتسل» (30) تأسست منظمة «اتسل» وهي اختصار لـ «أرغون تصفا ليسرائيل» أي منظمة الجيش الإسرائىلي عام 1937 بعد أن انفصلت عن منظمة الهاغاناة، ومن أبرز قادتها التاريخيين زئيف جابوتنسكي، مناحيم بيغن ودافيد وازيال، ونفذت المنظمة مجموعة أعمال إرهابية مروعة كان لها تأثير بالغ على مجريات الحرب في فلسطين أخطرها مذبحة دير ياسين وكذلك تفجير فندق الملك داود في القدس بتاريخ 22/7/1946، وفي عام 1948 حلت المنظمة وانضم أفرادها إلى الجيش الإسرائيلي.
«ليحي» (41) أسس هذه المنظمة الإرهابية إبراهام شتيرون وذلك بانشقاقه عن منظمة «اتسل» عام 1940، وتزعم الحركة بعد شتيرن إسحق شامير، ومن أبرز أعمال هذه المنظمة اغتيال اللورد موين يوم 6/11/1944، تفجير مقر السرايا العربية في يافا، واغتيال الكونت برنادوت في 17/9/1948، وعام 1948حلت المنظمة وانضم أفرادها إلى تنظيمات وأحزاب أخرى.
ما بعد قيام دولة "إسرائيل" :
وبعد قيام دولة الاحتلال الإسرائيلي واصلت الحكومات الإسرائيلية ذات الأفكار والبرامج والنهج والممارسات الإرهابية، ولكن بشكل أوسع وأرسخ وأخطر وأكثر قدرة على التطبيق، حيث امتلكت هذه الدولة امكانات هائلة مالية، عسكرية وإعلامية فشنت الحروب الإرهابية التدميرية ومارست أبشع اشكال الممارسات العنصرية الغاشمة ضد أهل فلسطين فاقترفت وما تزال سلسة بلا نهاية من الجرائم الحربية، المستخدمة في ذلك أجهزة وأدوات محترفة للإرهاب: وهي بالعناوين:
- الجيش الإسرائيلي.
- جهاز الموساد السري الإرهابي.
- جهاز الشاباك - ا لمخابرات العامة - الإسرائيلية.
- التنظيمات الإرهابية اليهودية.
- ثم دولة المستوطنين اليهود في الأراضي المحتلة (23).
أما التطبيقات العلمية للإرهاب الصهيوني ما قبل قيام دولة الاحتلال الإسرائيلي وما بعد قيامها، فهي بالجملة، واسعة ودموية ومروعة لم يشهد لها التاريخ مثيلاً، ونأمل أن نلقي الضوء في الحلقات التالية على أهم وأخطر التطبيقات العلمية الإجرامية للإرهاب الصهيوني ضد الفلسطينيين والعرب.
كذلك وان شهد التاريخ البشري ظواهر إرهابية ترجمت بمذابح جماعية أدت أحياناً إلى اختفاء أو انتهاء شعوب أو دول، فلم يسجل التاريخ حالات مثل هذه الحالات لها منطلقات سياسية/فكرية/عقائدية برامجية موثقة في أدبيات من نفذها ومارسها مثلما هو الحال عليه مع الحركة الصهيونية و«دولة إسرائيل».
كما لم يشهد التاريخ من جهة أخرى أن تعرض شعب لمثل هذا الإرهاب الممنهج والمنفذ على كل المستويات وبشتى وسائل وأدوات الإرهاب وبأبشع الأشكال والصور على مدى زمني متصل تجاوز النصف قرن من الزمن، مثل ما شهده الشعب العربي الفلسطيني على أرض فلسطين.
فالمعادلة القائمة منذ نصف قرن هي كالتالي:
صراع اجلاء وبقاء منذ أكثر من نصف قرن من الزمن، طرفه الأول المنظمات الإرهابية الصهيونية المنظمة جيداً والمسلحة حتى الأسنان وبدعم وغطاء تحالفي مخطط من قبل الاستعمار البريطاني قبل قيام الدولة الصهيونية، ثم هذه الدولة كامتداد لتلك المنظمات، وقد أصبحت عبارة عن ترسانة حربية إرهابية مدمرة مساحتها هي مساحة فلسطين وامتدادها يصل إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وهي تستخدم كل طاقاتها وأجهزتها واسلحتها وتمارس كل أشكال الإرهاب والتدمير والإبادة وكل ذلك تحت سمع وبصر وغطاء الولايات المتحدة والمجتمع الدولي.
والطرف الثاني للصراع هو الشعب العربي الفلسطيني الذي تعرض لسلسلة طويلة متصلة من الهجمات والحملات والحروب الصهيونية الإبادية الرامية إلى محوه عن وجه الأرض، إلا أنه خرج منها كالعنقاء، وخاض مسيرة نضالية بقائية طويلة متصلة مستمرة حتى يومنا هذا، توجتها الانتفاضة الفلسطينية الباسلة المجيدة التي اقتحمت الرأي العام العالمي وهيئة الأمم المتحدة، وكل بيت عربي وإسرائيلي، ونجحت في بلورة برنامج وطني سياسي فلسطيني اعترف به العالم بأسره، واعترف بالتالي عبره وبوجوده وكيانية وحق الشعب العربي الفلسطيني في تقرير المصير. ونؤكد: أن هذا الصراع.. صراع الاجلاء والبقاء، الكيانية والوجود والهوية والسيادة والمستقبل ما يزال قائماً مستمراً يشهد في هذه الأيام أيضاً تصعيداً مسعوراً تقترفه الحكومة الإسرائيلية حتى في ظل عملية السلام الجارية قسراً أو طوعاً كاذباً بفعل اختلال موازين القوى في المنطقة والعالم.
وبعد..
إذا كان الرأي العام العالمي والغربي منه على وجه التحديد قد نسى أو تناسى الحقيقة الراسخة الموثقة: أن دولة إسرائيل قامت على أسنة الحروب والإرهاب الدموي وسياسة التهديم والترحيل والإلغاء الشامل للشعب الفلسطيني وإن كانت ماكينة الإعلام الغربية/المتصهينة عملت في السنوات الأخيرة على «خلق ارهاب يرتدي ثوباً إسلامياً بعد أن كانت معادية لإرهاب يرتدي ثوباً قومياً» (1).
وإن كان «الإعلام الغربي لعب ويلعب دوراً مذهلاً في قلب الحقائق والأمور وتحويل المجرم إلى ضحية والضحية إلى مجرم» (2).
وإن كانت دولة إسرائيل وظفت وتوظف عدداً هائلاً من العاملين في قطاعات الإعلام والسياسة والمؤسسات الأكاديمية في العالم لتسويق فكرتها حول الإرهاب» (3).
فإن الحقيقة الراسخة الدامغة الموثقة المدعمة بالمعطيات والحقائق هي أن منطقتنا العربية لم تعرف الإرهاب إلا بعد إنشاء «دولة إسرائيل» فهم أساتذة الإرهاب» (4) وإن الإرهاب ارتبط بالحركة الصهيونية وما قامت به في فلسطين وإن «قافلة الإرهاب انطلقت من مستنبتات الفكر الديني العنصري اليهودي» (5) وإن سجل الإرهاب الصهيوني حافل وزاخر ومليء بوقائع الممارسات الإرهابية، وإن الفكر العنصري الإرهابي الإسرائيلي يدرس في الأدبيات والمناهج التعليمية ويطبق على مستوى السياسة الرسمية الإسرائيلية (6).
الفكر السياسي للإرهاب الصهيوني
على أرضية تلك الحقيقة الراسخة أعلاه نبحث فنجد أن للفكر السياسي للإرهاب الصهيوني امتدادات بعيدة بعيدة تصل إلى المجتمعات اليهودية الغيتوية القديمة التي انتجت عقلية المؤامرة والحقد العنصري والفكر الإرهابي، وانتجت بعد ذلك تلك الأفكار والمفاهيم المتعقلة بشعب الله المختار الذي يتفوق على الأغيار - أي العرب.
وفي هذا المنطق يؤكد البروفسور «إسرائيل شاحاك» وهو إسرائيلي يناهض الصهيونية «أن الديانة اليهودية عمقت الخصوصية والعنصرية لدى اليهود» (7)، وأن القوانين اليهودية التلمودية تميز بين اليهود وغير اليهود واليمين الديني في إسرائيل يشجع هذه الروح العدوانية في نفوس الجيش الإسرائيلي» (.
وإذا لم يكن المجال يتيح لنا هنا الغور بعيداً في الفكر الديني التلمودي اليهودي العنصري فإننا من الجدير أن نؤكد على الفكر السياسي الإرهابي الصهيوني المعاصر الذي تطور وترسخ منذ المؤتمر الذي انعقد في بال قبل قرن كامل من الزمن حيث زخرت بروتوكولات حكماء صهيون بكم هائل من المفاهيم، والمصطلحات العنصرية الإرهابية بالمضمون وحيث زخر كتاب نبي الصهيونية هرتزل الدولة اليهودية بكم هائل كذلك من المفاهيم والمصطلحات العنصرية الإرهابية (9).
هكذا تطور الفكر السياسي الصهيوني الإرهابي مع الزمن والأحداث وأصبح له أولاً أنبياء ومنظرون ثم أصبحت له ثانياً أذرع وأجهزة ومنظمات إرهابية تنفذه على الأرض، ثم تبنته الدولة اليهودية ثالثاً فتحول هذا الفكر رابعاً إلى الفكر السياسي العريض الذي تعمل به الدولة الإسرائيلية ويتقيد به المجتمع الإسرائيلي (10).
في 11/8/1919 قال بلفور وزير الخارجية البريطاني لأعضاء الحكومة: «إننا في فلسطين لا نفكر أبداً في أي شكل من أشكال التشاور مع السكان المحليين ومعرفة رغباتهم».
وهذا الكلام ينطوي على إرهاب حقيقي، عملت الحركة الصهيونية بعد ذلك بمضمونه تماماً.
جاء قبل ذلك على لسان حكماء صهيون ما مفاده: «ان الإرهاب أداة سياسية نلجأ إليها حين نرى أن عدونا يريد الخلاص منا» (11).
وجاء كذلك في أحد بروتوكولات حكماء صهيون: «على المناضلين الصهاينة بث الرعب والخوف في البلاد المسيحية والعمل على القضاء على الديانة المسيحية والديانات الأخرى التي تحتوي تعاليمها على نصوص معادية لليهودية».
وفي عام 1940 كتب الزعيم الصهيوني أوستشكين من أجل تأسيس حياة مستقبلية لليهود في فلسطين أو على الأصح تأسيس دولة يهودية في فلسطين من المهم بالدرجة الأولى أن تكون جميع أراضي فلسطين يهودية أبداً، وحسب الأساليب المتبعة في العالم هناك ثلاث طرق: أولاً بالقوة بواسطة الاحتلال العسكري، ثانياً: بالقسر أي بمصادرة الأراضي عن طريق الحكومة، ثالثاً: بشراء الأراضي من أصحابها (13).
وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى طالب جابوتنسكي الأب الروحي لليمين الإسرائيلي، بإقامة نظام في فلسطين، يسهل الهجرة اليهودية الواسعة حتى يصبح اليهود أغلبية فيها الأمر الذي يعني إقامة القوة واستخدامها ضد أهل الأرض وقد طبقت آراء وأفكار جابوتنسكي بحذافيرها.
وجاء في مذكرات وايزمن «التجربة والخطأ» في وصف الأوضاع في فلسطين في عام 1914: «يستطيع المرء أن يلمس هنا وهناك تحللاً للأخلاقية الصهيونية التقليدية ويلمس بدلاً منها مسحة من الروح العسكرية بل، أكثر من ذلك اللجوء إلى العنف والإرهاب والاستعداد للتعاون مع الشر كقوة لها فوائدها في تحقيق الوطن القومي لليهود» (14).
ثم جاء دافيد بن غوريون ليلقي المزيد من الضوء على خطوط عمل وسياسة الحركة الصهيونية في العنف والقوة لوسيلة لتحقيق أهدافها، إذ كتب عام 1954 في مقدمة كتاب: «تاريخ الهاغانا» الذي أصدرته المنظمة الصهيونية العالمية: «من الواضح أن انجلترا تعود للإنجليز ومصر للمصريين وفلسطين لليهود، وفي بلادنا هناك فقط مكان لليهود، وسوف نقول للعرب أخرجوا، فإذا لم يخرجوا وإذا قاوموا فسوف نخرجهم بالقوة».
ونأتي إلى مفاهيم مناحيم بيغن من أبرز أقطاب ومنظري الإرهاب الصهيوني على مدى القرن الماضي، الذي أكد عقلية ونهج الإرهاب في كتابه «الثورة» فكتب على سبيل المثال في 28/10/1956 يقول: «ينبغي عليكم أيها الإسرائيليون أن لا تلينوا أبداً عندما تقتلون أعداءكم، ينبغي أن لا تأخذكم بهم رحمة حتى ندمر ما يسمى «بالثقافة العربية» التي سنبني على انقاضها حضارتنا (15).
وقال مناحيم بيغن متفاخراً بالإرهاب والمجازر التي اقترفها تنظيمه «الاتسل»: لقد كنا مقتنعين بالشرعية المطلقة لأعمالنا غير الشرعية (16).
في عام 1973 صرح موشيه ديان وكان آنذاك وزيراً للدفاع قائلاً: لا أرى كيف يمكن أن تقيم دولة يهودية دون أن ندوس على المحاصيل: سيادة كحل سيادة، ويهود يقيمون في مكان أقام فيه العرب فقط لأنه إذا قلنا إنه من أجل توطين يهود في مكان أقام فيه العرب فقط يجب الحصول على إذن من العرب، عندئذ لن تكون دولة يهودية (17).
سيكولوجيا الإرهاب الصهيوني:
ما سبق ذكره غيض من فيض هائل من الأمثلة والمقتبسات على إرهابية الفكر السياسي الصهيوني، وعلى حقيقة المنطلقات الفكرية الدينية والإجماعية العنصرية للإرهاب الصهيوني.
وإن كنا استشهدنا ببعض تصريحات وموقف عدد من أبرز أقطاب العمل الصهيوني فإننا لا يمكنا أن نغفل بطبيعة الحال دور إسحق شامير في الإرهاب الصهيوني، ولا يمكنا أن نغفل كذلك في هذه المرحلة دور حكومة اليمين الإسرائيلي المتشددة في نشر الإرهاب والرعب في المنطقة.
غير أن ما نود التوقف عنده في هذه العجالة هو أن تلك المفاهيم والمنطلقات السياسية/ الفكرية/الاجتماعية/للإرهاب الصهيوني والموثقة في عدد لا حصر له في الكتب والدراسات والبروتوكولات الإسرائيلية وغيرها، والمترجمة في كم لا حصر له من أعمال وممارسات العنف والإرهاب والعنصرية المتغطرسة قد شكلت وبلورت سيكولوجيا كاملة شاملة لدى معظم فئات وشرائح المجتمع الإسرائيلي بعد قيام الدولة الإسرائيلية وبصورة خاصة واضحة المعالم في السنوات الأخيرة حيث أخذت هذه السيكولوجيا ذات النزعة العنيفة الإرهابية العنصرية تطغى على تفكير وممارسات شتى الجهات، المنظمات والحركات الإسرائيلية بشكل عام.
وعلنا نشير هنا بوجه خاص إلى أن سيكولوجيا الإرهاب الدموي هذه باتت هي التي تهيمن هيمنة مطلقة على أجهزة الجيش والموساد والشاباك وكذلك على دولة المستوطنين اليهود في أنحاء الأراضي المحتلة (18).
يقول البروفيسور إسرائيل شاحاك حول سيكولوجية الجيش الإسرائيلي:
«إن قادة العسكر في إسرائيل مستعدون أن يضعوا أيديهم على مصادر الثروات للشعوب الأخرى عن طريق حروب الغزو، إنهم يدركون ذلك مثلما أدركته الأولغاركية العسكرية الإسرائيلية السابقة ونفذت حروباً مماثلة» (19). وامتداد لسيكلوجيا الإرهاب والعنصرية لدى بني إسرائيل أو انطلاقاً منها نتابع فلسطينيون وعرب كل مظاهر الغطرسة والعنصرية نحو الإحساس بالتفوق على الأغيار، ونتابع الاستعداد الإرهابي لدى حكومة إسرائيل الراهنة للتلويح باقتحام واقتراف المجازر والترحيل ضد الفلسطينيين.
وللحاخامات دور مركزي..
وفي هذا الإطار.. إطار الفكر والإيدولوجيا والسيكلوجيا الإرهابية الصهيونية نتوقف أمام الدور المركزي جداً لكبار رجال الدين اليهود - الحاخامات - في تعليم ونشر وزرع الفكر الإرهابي سواء كان ذلك عن طريق المدارس الدينية المتعصبة داخل فلسطين المحتلة 48، أو عن طريق المستوطنات اليهودية المنتشرة في أنحاء الأراضي المحتلة، ففي كل عرس كان للحاخامات القرص الأكبر، وفي مجمل السياسة الإرهابية الإسرائيلية كان وما يزال للحاخامات اليهود دور مركزي فيها..
وإن عدنا للمناهج التعليمية الرسمية الإسرائيلية، أو راجعنا المحاور المختلفة للسياسات الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين والعرب، نجد أن فتاوي الحاخامات تحتل مركزاً كبيراً وتشكل أرضية لكل شيء.
ويلاحظ أن فتاوي الحاخامات تحرض كلها إما على اقتراف الإرهاب الدموي والمجازر ضد الفلسطينيين كما في جملة من المجازر واخطرها مجزرة الحرم الإبراهيمي الشريف (20)، أو إلى ردع الحكومة الإسرائيلية عن تقديم أي تنازل للعرب في أرض كما جاء مثلاً في الوثيقة التي وقعها 250 حاخاماً كبيراً في نهاية العام 1997 والتي حظرت على الحكومة الإسرائيلية تسليم أي جزء من أرض إسرائيل للأغيار (21)، أو في مواصلة انتهاج سياسة التمييز العنصري الرسمي ضد المواطنين العرب في فلسطين، وإن كان الفكر السياسي الإرهابي الصهيوني قد انطلق منذ مطلع القرن الحالي بصورة منهجية فإن الفكر الديني اليهودي والفتاوي والتشريعات اليهودية كان لها دائماً نصيب بارز ومؤثر في ذلك.
«أيديولوجيا التمييز ضد غير اليهود، مسألة لا تنكرها إسرائيل وتعترف بها صراحة، وتعززها كضمانة لشخصية إسرائيل كدولة يهودية ومن هنا يتحرك أنصار التمييز الإسرائيلي على أساس أن هذا التوجه هو تراث اليهودية التاريخي» (22).
ومن الواضح تماماً أن مستنبتات ومفرخات أيدولوجيا التمييز العنصري وبالتالي الإرهاب الدموي والمجازر والعقوبات الجماعية بالضرورة، موجودة وحاضرة بقوة في المدارس الدينية التلمودية اليهودية وفي المستوطنات اليهودية المنتشرة في أنحاء الأراضي المحتلة.
«مكان تحت الشمس»
لا يمكننا في سياق هذه الدراسة المكثفة جداً حول المقدمات السياسية/الفكرية/ السيكولوجية البرامجية للإرهاب الصهيوني إلا أن نتوقف أمام ظاهرة نتنياهو وأمام كتابه الشهير «مكان تحت الشمس» حيث يمثل نتنياهو في اعتقادنا أخطر أقطاب الدولة الإسرائيلية الإرهابية ويمثل فكرة المترجم في كتابة، خلاصة الخلاصة للفكر السياسي والديني الإرهابي الصهيوني.
يقول الدكتور فايز رشيد في كتابه تزوير التاريخ في الرد على نتنياهو «مكان تحت الشمس»: «عند نتنياهو يجوز لكل يهود العالم أن يحلمو بوطنهم القومي في فلسطين ولا يجوز للفلسطينيين أن يعودوا إلى وطنهم الذي هجروا منه قسراً» (32) ويضيف: يركز الإسرائيليون على محو كل الآثار المرتبطة بالتاريخ العربي للشعب الفلسطيني ومحاولة إيجاد البديل اليهودي قسراً (42)، ويردف قائلاً: «الحرب النفسية - المذابح الجماعية - وتهديم نحو 500 قرية فلسطينية أهم الأساليب التي استخدمتها الحركة الصهيونية في تهجير الفلسطينيين (25)، ويكثف د. رشيد خلاصة كتاب نتنياهو قائلاً: «يمارس نتنياهو في كتابه عملية تزييف التاريخ، بل ذبحه وقلب حقائقه ببساطة وتضليل كبيرين» (26).
و«فلسطين الكنعانية العربية يجري اغتيال تاريخها الممتد بعيداً في أعماق الزمن ويلغيها نتنياهو يعتبرها أرض إسرائيل الموعودة» (27).
ومفيد كذلك الإشارة والتأكيد على أن نتنياهو لا يؤمن بوسيلة سوى القوة والعنف والإرهاب الدموي بأبشع أشكاله، من أجل تحقيق افكاره ومعتقداته وأهدافه في أرض إسرائيل الكاملة، أو في «الدولة اليهودية» أو في إسرائيل قوية مهيمنة على المنطقة» (28).
أدوات ووسائل الإرهاب الصهيوني
إن كانت كل المقدمات والمنطلقات السياسية الفكرية/العقائدية/التلمودية/ المنهجية/الصهيونية/الإسرائيلية تؤكد حقيقة التوجهات الإرهابية العنيفة الدموية ذات الطابع العنصري الحاقد فقد كان لا بد للحركة الصهيونية أن توظف كل طاقاتها وامكاناتها المالية الإعلامية/التنظيمية على الصعيد الدولي أولاً، وأن تستخدم كل امكاناتها وقدراتها المالية والتنظيمية اليهودية على أرض فلسطين ذاتها، فكانت التنظيمات الإرهابية الصهيونية قبل قيام دولة إسرائيل، ثم الأجهزة والسياسات الرسمية والمنظمات السرية ما بعد قيامها، ونظراً لغزارة المعلومات الموثقة حول المنظمات الإرهابية الصهونية، فإننا سنكتفي هنا بالإشارة إليها بالعناوين الرئيسية فقط.
ما قبل قيام دولة "إسرائيل" :
ونعود إلى مرحلة ما قبل قيام دولة الاحتلال الإسرائيلي لنجد أن جملة من التنظيمات الصهيونية عملت تحت الأرض وفوق الأرض واستخدمت كافة الوسائل المتاحة في اقتراف أبشع اشكال الإرهاب من أجل تحقيق اهدافها وهي:
الهاغاناة (29): وهي الاسم المختصر للمنظمة العسكرية اليهودية السرية، وقد تأسست في طبريا بتاريخ 12/6/1920 وانضم عدد كبير من الصهاينة إلى صفوفها ومن أبرز قادتها التاريخيين دافيد بن غوريون، ليفي أشكول، موشيه ديان، إسحق رابين وشمعون بيريز وغيرهم.
ونفذت هذه المنظمة سلسلة من الأعمال الإرهابية خلال أحداث 1920 و1929 او 1948 وحظيت المنظمة بدعم قوي من قوات الانتداب البريطاني.
«اتسل» (30) تأسست منظمة «اتسل» وهي اختصار لـ «أرغون تصفا ليسرائيل» أي منظمة الجيش الإسرائىلي عام 1937 بعد أن انفصلت عن منظمة الهاغاناة، ومن أبرز قادتها التاريخيين زئيف جابوتنسكي، مناحيم بيغن ودافيد وازيال، ونفذت المنظمة مجموعة أعمال إرهابية مروعة كان لها تأثير بالغ على مجريات الحرب في فلسطين أخطرها مذبحة دير ياسين وكذلك تفجير فندق الملك داود في القدس بتاريخ 22/7/1946، وفي عام 1948 حلت المنظمة وانضم أفرادها إلى الجيش الإسرائيلي.
«ليحي» (41) أسس هذه المنظمة الإرهابية إبراهام شتيرون وذلك بانشقاقه عن منظمة «اتسل» عام 1940، وتزعم الحركة بعد شتيرن إسحق شامير، ومن أبرز أعمال هذه المنظمة اغتيال اللورد موين يوم 6/11/1944، تفجير مقر السرايا العربية في يافا، واغتيال الكونت برنادوت في 17/9/1948، وعام 1948حلت المنظمة وانضم أفرادها إلى تنظيمات وأحزاب أخرى.
ما بعد قيام دولة "إسرائيل" :
وبعد قيام دولة الاحتلال الإسرائيلي واصلت الحكومات الإسرائيلية ذات الأفكار والبرامج والنهج والممارسات الإرهابية، ولكن بشكل أوسع وأرسخ وأخطر وأكثر قدرة على التطبيق، حيث امتلكت هذه الدولة امكانات هائلة مالية، عسكرية وإعلامية فشنت الحروب الإرهابية التدميرية ومارست أبشع اشكال الممارسات العنصرية الغاشمة ضد أهل فلسطين فاقترفت وما تزال سلسة بلا نهاية من الجرائم الحربية، المستخدمة في ذلك أجهزة وأدوات محترفة للإرهاب: وهي بالعناوين:
- الجيش الإسرائيلي.
- جهاز الموساد السري الإرهابي.
- جهاز الشاباك - ا لمخابرات العامة - الإسرائيلية.
- التنظيمات الإرهابية اليهودية.
- ثم دولة المستوطنين اليهود في الأراضي المحتلة (23).
أما التطبيقات العلمية للإرهاب الصهيوني ما قبل قيام دولة الاحتلال الإسرائيلي وما بعد قيامها، فهي بالجملة، واسعة ودموية ومروعة لم يشهد لها التاريخ مثيلاً، ونأمل أن نلقي الضوء في الحلقات التالية على أهم وأخطر التطبيقات العلمية الإجرامية للإرهاب الصهيوني ضد الفلسطينيين والعرب.